فصل: (فرع: صور في اختلاف عادة غير المميزة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: من صور المبتدأة]

فإن رأت المبتدأة ستة عشر يوما دما أحمر، ثم رأت دما أسود، وزاد على خمسة عشر يوما.. فإن أبا العباس قال: يبنى على الوجهين في الأسود إذا وجد بعد الأحمر، وزاد على خمسة عشر.. هل يرفع حكمه؟
فإن قلنا بالأول: إن الأسود لا يرفع حكم الأحمر.. فهي كالمبتدأة التي لا تمييز لها.
فإن قلنا: إن المبتدأة ترد إلى يوم وليلة.. حيضناها من أول الأحمر يوما وليلة، وجعلنا باقيه، وهو خمسة عشر يوما طهرًا، ثم حيضناها من أول الأسود حيضا آخر يوما وليلة.
وإن قلنا: إن المبتدأة ترد إلى ست أو سبع.. فإنا نحيض هذه من أول الأحمر ستًا أو سبعا، ولا يمكننا أن نحيضها من أول الأسود حيضا آخر؛ لأنه يوجد في اليوم السابع عشر، اللهم إلا أن يستمر بها الدم الأحمر إلى آخر الحادي والعشرين، أو إلى آخر الثاني والعشرين. ثم ابتدأها الأسود بعد ذلك.. فإنا نحيضها من أول الأسود حيضًا آخر؛ لأنا إذا حيضناها من أول الأحمر ستًا أو سبعا، وكان باقي الأحمر خمسة عشر يومًا، وبعده الأسود.. كان ابتداء الحيض الثاني بعد استكمال طهر صحيح بعد الحيضة الأولى. وإذا ابتدأ الأسود قبل استكمال طهر صحيح.. لم يمكن أن نجعل ابتداء الأسود حيضًا.
وإن قلنا: إن الأسود يرفع الأحمر ويبطل حكمه.. فلا حاجة بنا إلى إسقاط حكم الأحمر، بل نحيضها من أول الأحمر يومًا وليلة قولاً واحدا، ويكون باقية طهرا، وهو خمسة عشر يومًا، ثم نبتدئ لها حيضًا آخر من أول الأسود، إلا أن يستمر بها الأحمر اثنين وعشرين يوما، ثم يبتدئها الأسود.. فإن في القدر الذي نحيضها من أول الأحمر قولين:
أحدهما: يوما وليلة.
والثاني: ست أو سبع؛ لأنه يمكن الجمع بينهما.
قال القاضي أبو الطيب: الصحيح عندي أن نحيضها من أول الأحمر، إما يوما وليلة في أحد القولين، أو ستًا أو سبعًا في الثاني. ولا نحيضها من أول الأسود؛ لأنه قد بطلت دلالته؛ لزيادته على أكثر الحيض.
قال: وقد ناقض أبو العباس ابن سريج في هذا الفرع؛ لأنه إذا قال: إن الأسود يرفع الأحمر.. فكان ينبغي أن يحيضها من أول الأسود، ويكون الأحمر استحاضة؛ لأن معنى قولنا: (يرفعه) أي: يدل على أنه استحاضة، وقوله: (لأنه يمكن الجمع بينهما) ليس بصحيح؛ لأن المميزة لو رأت يومًا وليلة دما أسود، وباقي الشهر أحمر.. حيضناها الأسود، وكان الأحمر كله استحاضة، وإن كان يمكن أن يكون السابع عشر حيضًا، ولا يمنعه الأسود.

.[مسألة: في المستحاضة المعتادة غير المميزة]:

وأما المستحاضة المعتادة: فلا تخلو: إما أن تكون ذاكرة لوقت عادتها وعددها، أو ناسية.
فإن كانت ذاكرة.. نظرت: فإن كانت غير مميزة، بأن تكون قد ثبت لها حيض صحيح، ثم عبر الدم عادتها، وعبر على الخمسة عشر، والدم على لون واحد.. فإنها لا تغتسل في الشهر الأول عند مجاوزة الدم عادتها إن كانت عادتها دون الخمسة عشر لجواز أن تنقطع لخمسة عشر.
فإذا جاوز الدم الخمسة عشر.. علمنا أنها مستحاضة، فتغتسل عند ذلك، وتقضي صلاة ما زاد على أيام عادتها. وفي الشهر الثاني تغتسل عند مجاوزة الدم أيام العادة، ويكون حيضها أيام عادتها.
وقال مالك: (لا اعتبار بالعادة).
ودليلنا: ما روي: «أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستفتت لها أم سلمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر ذلك، فإذا خلفت ذلك.. فلتغتسل، ولتستثفر بثوب وتصلي».
فإن رأت الدم في خمسة أيام من كل شهر مرتين، ثم استحيضت في الشهر الثالث.. فإنها ترد إلى الخمس، بلا خلاف على المذهب.
وإن رأت الدم في خمسة أيام مرة، ثم استحيضت في الشهر الثاني.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تكون معتادة؛ لأن العادة مأخوذة من العود، وذلك لا يستعمل في أقل من مرتين.
والثاني: أنها تكون معتادة، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر ذلك». ولم يفرق بين أن تحيض فيه مرة أو مرتين.

.[فرع: ثبوت العادة]

وتثبت العادة بالتمييز، كما تثبت بانقطاع الدم. فإن كانت عادتها أن ترى ثلاثة أيام أو أربعا من أول الشهر دما أسود، وباقي الشهر أحمر، فلما كان بعض الشهور رأت الدم من أوله مبهما، وجاوز الخمسة عشر.. جعل حيضها أيام السواد.
ويثبت الطهر بالعادة، كما يثبت الحيض. فإن كانت عادتها أن ترى الدم خمسة أيام من أول الشهر، وتطهر باقي الشهر، والشهر الذي بعده، فرأت في بعض الشهور الدم مناول الشهر، وعبر على خمسة عشر.. فإن شهر حيضها يكون ستين يومًا: حيضها خمسة أيام، وطهرها خمسة وخمسون يومًا.

.[فرع: تلون دم المبتدأة]

فإن رأت المبتدأة دما أحمر، واتصل في شهر، ثم رأت في الشهر الثاني خمسة أيام دما أسود، ثم أحمر إلى آخر الشهر، ثم رأت الشهر الثالث دما مبهما.. فإنها في الشهر الأول: مبتدأة غير مميزة، إلى ماذا ترد؟ على قولين.
وفي الشهر الثاني: هي مميزة، فترد إلى أيام السواد.
وفي الشهر الثالث: إن قلنا: إن العادة تثبت بمرة.. كان حيضها خمسة أيام.
وإن قلنا: لا تثبت إلا بمرتين.. كانت كالمبتدأة التي لا تمييز لها، إلى ماذا ترد؟ فيه قولان.

.[فرع: تغير العادة]

وقد تنتقل العادة، فتتقدم وتتأخر، وتزيد وتنقص، فترد إلى آخر ما رأت.
فإن كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت الخمس المعتادة من أول الشهر، ثم طهرت عشرين يومًا، ثم رأت الدم في الخمس الأخيرة من الشهر وانقطع.. فهذه قد تقدمت عادتها.
وإن رأت الطهر في الخمسة الأولى من الشهر، ثم رأت الدم في الخمسة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة، أو السادسة وانقطع.. فهذه تأخرت عادتها.
وإن رأت الدم من أول الشهر، واستمر بها إلى آخر العاشر وانقطع.. فهذه زادت عادتها.
وكذلك لو رأت الدم في خمس قبل عادتها، واستمر بها الدم إلى آخر عادتها وانقطع.. فهذه زادت عادتها.
وإن رأت الدم في ثلاثة أيام، أو أربع من أول الشهر، وانقطع.. فهذه نقصت عادتها، ولم تنتقل.
وإن رأت الدم في أيام عادتها، وفي خمس قبلها، وخمس بعدها.. فقد صار حيضها خمسة عشر يوما.
وقال أبو حنيفة: (إذا رأت الدم في خمس قبل عادتها، وفي أيام عادتها.. كان حيضها في زمان عادتها، وما قبل ذلك استحاضة وإن رأت مع عادتها خمسا بعدها.. كان الجميع حيضًا؛ لأن الذي بعد عادتها تبع لها).
وهذا ليس بصحيح؛ لأنه دم رأته في زمان إمكانة، ولم يجاوز أكثر الحيض، فكان حيضًا، كما لو رأته بعد أيام العادة.

.[فرع: أحوال العادة]

وإن كانت عادتها الخمسة الأولى من الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت الدم في الخمسة الأولى وانقطع، ثم رأت الدم في الخمسة الأخيرة واتصل، أو طهرت في الخمسة الأولى، ورأت الدم من أول الخمس الثانية، واتصل الدم.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن حيضها: خمسة أيام من أول الدم؛ لأنه دم رأته في زمان إمكانه، فكان حيضًا.
والثاني: أن حيضها: الخمس الأولى من الشهر، وهو الصحيح؛ لأنه قد ثبتت عادتها فيها، فلا تنتقل عنها إلا بحيض صحيح، وهذا دم قد زاد على أكثر الحيض، فلم يكن له حكم.

.[فرع: صور في اختلاف عادة غير المميزة]

وإن كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، ثم رأت في شهر خمسة أيام من أوله دمًا أحمر، ثم اسود الدم إلى آخر الشهر:
فإن قلنا: إن الأسود لا يرفع الأحمر.. كان حيضها الخمسة الأولى، وهي أيام الدم الأحمر.
وإن قلنا: إن الأسود يرفع الأحمر.. كان حيضها خمسة أيام من أول الأسود، وقد انتقلت عادتها.
فإن كانت بحالها، ورأت خمسة أيام من أول الشهر دمًا أحمر، وخمسًا بعدها أسود، ثم احمر الدم، وعبر.. بنيت على الثلاثة الأوجه ـ لأبي العباس في المبتدأة ـ:
فإن قلنا: ـ في المبتدأة أن لو رأت كذلك ـ: إن حيضها أيام السواد.. كان حيضها هاهنا الخمس الثانية، وقد انتقلت عادتها.
وإن قلنا: ـ في المبتدأة أن لو رأت ذلك ـ: إنها غير مميزة.. كان حيضها هاهنا الخمس الأولى، وهي أيام عادتها.
وإن قلنا: ـ في المبتدأة ـ: إن حيضها العشر الأولى.. كان حيضها هاهنا الخمس الأولى، والخمس الثانية، وقد زادت عادتها.

.[فرع: اختلاف عادة غير المميزة]

وإن كانت عادتها تختلف.. نظرت:
فإن كانت على نسق واحد، مثل أن كانت عادتها أن تحيض في الشهر الأول ثلاثة أيام، وفي الثاني أربعة أيام، وفي الثالث خمسة أيام، وفي الرابع ستة أيام، ثم تعود في الشهر الخامس إلى الثلاث، وفي السادس إلى أربع، وفي السابع إلى خمس، وفي الثامن إلى ست، فاستحيضت في شهر.. قيل لها: ما كانت عادتك في هذا الشهر؟
فإن قالت: ثلاثًا.. حيضناها فيه ثلاثا، وفي الذي بعده أربعا، وفي الذي بعده خمسًا، وعلى هذا على ترتيب عادتها؛ لأن ذلك قد ثبت عادة لها، هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\43] فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: ترد إلى أيام حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة؛ لأنا لا نقول: إن ذلك لها عادة دائرة، ولكنها منتقلة، والعادة تنتقل بمرة.
وإن قالت: عادتي على نسق، ولكني لا أدري ما كانت عادتي في هذا الشهر، ولا في الذي قبله.. حيضناها ثلاثة أيام في هذا الشهر؛ لأنه يقين، ثم نأمرها أن تغتسل في آخرها؛ لجواز أن يكون هذا وقت انقطاع حيضها، ثم تصلي اليوم الرابع، وتغتسل في آخره؛ لجواز أن يكون حيضها أربعا، ثم تصلي الخامس، فتغتسل في آخره، ثم في آخر السادس.
وإن كانت عادتها على غير نسق.. نظرت:
فإن كانت أوائل أيامها متفقة، لكنها غير دائرة، مثل أن كانت عادتها أن ترى من أول الشهر ثلاثة أيام، وفي الشهر بعده خمسًا، ثم في شهر بعده أربعا، ثم في شهر بعده ستًا، ثم استحيضت.. فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: ننظر إلى الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة:
فإن كانت قد حاضت فيه ذلك القدر مرتين.. كان حيضها في شهر الاستحاضة ذلك القدر.
وإن لم تحض فيه إلا مرة، فإن قلنا: العادة تثبت بمرة.. كان حيضها ذلك القدر.
وإن قلنا: لا تثبت إلا بمرتين، أو كانت ناسية لحيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة.. كان حيضها في هذا الشهر ثلاثة أيام، ثم تغتسل؛ لأنه اليقين.
وحكى المسعودي [في "الإبانة": ق\49]، عن المزني فيها قولين:
أحدهما: ترد إلى أقل عادتها، وهي ثلاثة أيام، ثم تغتسل في آخرها، ثم لها ما للطواهر، وعليها ما عليهن إلى آخر الشهر.
والثاني: تحيض ثلاثة أيام من أول الشهر، ثم تغتسل في آخره، وتصلي اليوم الرابع بالوضوء، ثم تغتسل في آخره، ثم كذلك في الخامس والسادس، ثم تدخل في طهر بيقين إلى آخر الشهر.
وإن اختلفت أوائلها، وأواخرها، ومقدارها، مثل: أن ترى في شهر ثلاثة أيام دمًا من أول الشهر، وفي الثاني خمسًا من آخره، ثم استحيضت، فإن كانت تحفظ أيام حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة، وكانت قد حاضت ذلك القدر فيه مرتين أو مرة ـ إذا قلنا: تثبت العادة بمرة ـ حيضناها ذلك القدر.
وإن كانت لا تحفظ حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\49ـ50] ففيه وجهان، بناء على القولين في المسألة قبلها:
أحدهما: يحكم لها بالحيض في ثلاثة أيام، ثم تغتسل في آخرها، ثم لها ما للطواهر، وعليها ما عليهن إلى آخر الشهر.
والثاني: تصلي بالوضوء ثلاثًا من أول الشهر، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الشهر.
ووجه البناء: أن جميع الشهر في حق هذه، كالخمس والأربع والست في حق تلك.

.[فرع: المعتادة المميزة]

وإن كانت معتادة مميزة، بأن تكون عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت من أول الشهر عشرة أيام دما أسود، ثم احمر الدم إلى آخر الشهر. ففيه وجهان:
أحدهما ـ هو قول ابن خيران، والإصطخري، وأبي حنيفة ـ: (أن العادة أولى). فيكون حيضها الخمسة الأولى؛ لأنه قد ثبتت عادتها في ذلك، فلا تنتقل عنها إلا بحيض صحيح.
والثاني ـ وهو المذهب ـ: أن التمييز أولى. فيكون حيضها هاهنا العشرة الأولى؛ لأن التمييز علامة قائمة في شهر الاستحاضة، فكان الرد إليه أولى من الرد إلى عادة قد انقضت.

.[مسألة: نسيان عادة المميزة]

وإن كان لها عادة فنسيت أيام عادتها، واستحيضت. نظرت:
فإن كانت مميزة في شهر الاستحاضة:
فإن قلنا: التمييز مقدم على العادة إذا ذكرتها.. ردت هاهنا إلى التمييز.
وإن قلنا: إن العادة مقدمة على التمييز. كانت كمن لا تمييز لها.

.[مسألة: نسيان عادة غير المميزة والمتحيرة]

وإن كانت لها عادة فنسيتها، ثم استحيضت ولا تمييز لها، فلا يخلو: إما أن تكون ناسية للوقت والعدد، أو ناسية للوقت ذاكرة للعدد، أو ناسية للعدد ذاكرة للوقت.
فإن كانت ناسية للوقت والعدد وهي المتحيرة ـ قال ابن الصباغ ويتصور وجود ذلك بأن يصيبها الجنون سنينا كثيرة، ثم أفاقت واستحيضت، ولا تذكر عدد أيام حيضها ولا وقتها ـ:
فقال الشافعي في (العدد): (إنها تحيض من أول كل هلال يومًا وليلة).
وقال في كتاب (الحيض): (لا حيض لها في زمان بعينة، ويكون زمانها مشكوكًا فيه، فتغتسل لكل صلاة وتصوم، ولا يأتيها زوجها).
واختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: هي على قول واحد، وأنه لا طهر لها ولا حيض بيقين، كما قال في كتاب (الحيض)، وتأولوا ما ذكره في (العدد) على أنه أراد: في حكم العدة، حتى لا يحصل لها في كل شهر إلا قرء واحد.
وقال أكثرهم: هي على قولين:
أحدهما: أنها تحيض يومًا وليلة؛ لأنه أقل الحيض. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد، والمحاملي، وسليم، وابن الصباغ، قالوا: وهذا يدل على ضعف هذا القول؛ إذ لم يردها إلى ست أو سبع في أحد القولين، كالمبتدأة.
وأما الشيخ أبو إسحاق، وصاحب "العدة"، والمسعودي [في "الإبانة" ق\44] فقالوا: هي ـ على هذا ـ على قولين، كالمبتدأة.
فإذا قلنا بهذا القول.. فمن أين يعتبر ابتداء ذلك؟
المنصوص ـ للشافعي في (العدد) ـ: (أن ابتداء ذلك من أول كل هلال).
وقال أبو العباس: يحتمل وجهًا آخر، أن يقال لها: هل تذكرين ابتداء حيضك؟ فإن ذكرت ذلك.. كان ابتداء حيضها من ذلك الوقت. وإن لم تذكر ذلك.. قيل لها: أتذكرين وقتا كنت فيه طاهرًا؟ فإن ذكرت ذلك.. جعل ابتداء حيضها عقيب ذلك الوقت.
فعلى هذا: نأمرها باجتناب ما تجتنبه الحائض يومًا وليلة، أو ستًا أو سبعًا في أحد القولين في طريقة صاحب "المهذب"، ثم تغتسل بعد ذلك، وتصلي، وتصوم إلى آخر الشهر. ولا يلزمها قضاء الصلاة. وأما الصوم: فلا تقضي ما صامت بعد الخمسة عشر. وهل تقضي ما صامت بعد اليوم والليلة إلى الخمسة عشر؟ على القولين، أو الوجهين المذكورين في المبتدأة.
والقول الثاني ـ في أصل المسألة، وهو المنصوص في (الحيض)، وهو الصحيح ـ: (أنه لا حيض لها ولا طهر لها بيقين)؛ لأن كل وقت يمكن أن تكون فيه حائضًا، ويمكن أن تكون فيه طاهرًا، وقول الأول: نحيضها اليقين.. فليس بصحيح؛ لأنا لا نعلم ذلك الوقت من أيام الشهر.
فعلى هذا: يجعل زمانها زمان الطاهرات في إيجاب العبادات عليها، ويحرم عليها ما يحرم على الحائض، ولا يطؤها الزوج احتياطًا. وهل يجوز لها أن تصلي النوافل؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي.
وأما الصلوات المفروضة: فيجب عليها أن تصليها، ولكن يلزمها أن تغتسل لكل صلاة؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع حيضها، وهل يلزمها قضاؤها؟
فيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وغيرهما: لا يلزمها قضاؤها؛ لأنها إن كانت طاهرة وقت الصلاة.. فقد صحت صلاتها، وإن كانت حائضًا.. فلا صلاة عليها.
والثاني: قال الشيخ أبو زيد المروزي: يلزمها أن تعيد كل صلاة، وهو الأقيس؛ لأنه يحتمل أن ينقطع دمها في حال الصلاة أو بعد فراغها، وقد بقي من الوقت قدر ركعة، أو تكبيرة.. فيجب عليها إعادة تلك الصلاة. ويحتمل أيضًا: أن ينقطع دمها قبل غروب الشمس.. فيلزمها فرض الظهر والعصر، أو قبل طلوع الفجر.. فيلزمها فرض صلاة العشاء والمغرب.
فعلى هذا: يلزمها أن تعيد الظهر والعصر بعد غروب الشمس؛ لما ذكرناه.
فإن أرادت قضاءهما قبل المغرب. اغتسلت للأولى منهما، وكفاها الوضوء للثانية؛ لأنه إن كان دمها قد انقطع قبل أن تصلي الظهر لم يلزمها إعادة واحدة منهما. وإن انقطع دمها قبل الغروب.. فقد اغتسلت بعده. ثم يلزمها أن تغتسل للمغرب؛ لجواز أن ينقطع دمها في حال قضائها لها بين الصلاتين.
وإن أرادت أن تؤدي المغرب قبل قضاء الظهر والعصر.. كفاها غسل واحد لهذه الصلوات الثلاث؛ لما ذكرناه، ولكن يلزمها الوضوء لكل واحدة من الظهر والعصر. فإذا طلع الفجر.. لزمها أن تعيد المغرب والعشاء، والكلام في الغسل لهما مع الصبح على ما مضى في الظهر والعصر مع المغرب. فإذا طلعت الشمس.. لزمها أن تعيد الصبح، ويلزمها أن تغتسل له؛ لما ذكرناه.
وأما الصوم: فإنها تصوم شهر رمضان؛ لأنه لا يجوز لها أن تفطر إلا في الوقت الذي يتيقن حيضها فيه، وليس لها وقت يتيقن حيضها فيه، فإذا صامت رمضان:
قال الشيخ أبو حامد، والمحاملي، وأبو علي في "الإفصاح": يصح لها منه خمسة عشر يوما؛ لأن ذلك أقل الطهر، ويبقى عليها منه خمسة عشر يومًا.
وقال الشيخ أبو زيد المروزي: هذا إذا عرفت أن انقطاع دمها كان ليلا.. فإنه لا يفسد عليها من الصوم إلا خمسة عشر يومًا، فأما إذا لم تعرف متى كان ينقطع دمها، أو عرفت أن دمها كان ينقطع نهارًا، فإنها إذا صامت شهر رمضان وكان تامًا.. لم يصح لها منه إلا أربعة عشر يومًا ـ ولم يذكر في "المهذب" و"الشامل" غير هذا ـ لأنه يجوز أن يكون حيضها أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوما، ويجوز أن يكون ابتداء ذلك من بعض اليوم الأول من الشهر.. فيفسد عليها صوم ذلك اليوم؛ لوجود الحيض في آخره. ثم تنتهي مدة الحيض إلى مثل ذلك الوقت من اليوم السادس عشر.. فيفسد عليها صوم ستة عشر يومًا، ويبقى لها أربعة عشر يومًا.
فإذا أرادت قضاء ذلك..صامت ثلاثين يومًا متوالية، وصح لها منها أربعة عشر يومًا؛ لما ذكرناه في شهر رمضان. ويبقى عليها قضاء يومين.
وإن كان شهر رمضان الذي صامه الناس ناقصًا فصامته، وصامت بعده ثلاثين يومًا.. فقال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": بقي عليها قضاء يوم.
فقال بعض أصحابنا: بل يجب على هذا التنزيل أن يبقى عليها قضاء يومين؛ لأن الناقص تسعة وعشرون يومًا، وإذا صامته.. فسد عليها صوم ستة عشر يوما، وصح لها ثلاثة عشر يومًا فإذا صامت بعده ثلاثين يوما..صح لها منه أربعة عشر يومًا، فذلك سبعة وعشرون يومًا، فيبقى عليها من الشهر الذي صامه الناس يومان.
وما قاله هذا القائل ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الشهر لا يخلو من طهر صحيح، سواء كان متفرقًا أو متتابعًا، ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن إحداكن تمكث شطر دهرها لا تصلي». والشهر يقع على ما بين الهلالين، فإذا كان ناقصا.. لم يجز أن ينقص طهرها فيه عن أقله، وهو خمسة عشر، ويجوز أن ينقص الحيض فيه عن أكثره. فإذا كان كذلك.. كان حيضها من الناقص أربعة عشر يومًا، لكن يفسد عليها في الصوم خمسة عشر يومًا؛ لجواز تفرق الحيض في يوم، ويصبح لها منه صوم أربعة عشر يومًا، كالتام. فإذا صامت بعد ذلك ثلاثين يومًا.. صح لها صوم أربعة عشر يومًا، وبقي عليها صوم يوم.
إذا ثبت هذا: وأرادت قضاء صوم هذا اليوم، أو كان عليها صوم يوم عن نذر.. فإن الشيخ أبا حامد، ومن قال بطريقته، قال: يمكنها ذلك، بأن تصوم يومين بينهما أربعة عشر يومًا.
وهذا صحيح إذا علمت أن دمها كان ينقطع ليلاً. فأما إذا علمت أن دمها كان ينقطع نهارًا، أو لم تعلم متى كان ينقطع.. فلا يصح لها صوم يوم من هذا القدر، لجواز أن يبتدئها الحيض في بعض اليوم الأول، ثم ينتهي إلى مثل ذلك الوقت من اليوم السادس عشر، فيفسد عليها صوم اليومين.
فعلى هذا: هي بالخيار في قضاء اليوم بين ثلاثة أشياء:
إن شاءت صامت ثلاثة أيام، في كل عشرة أيام يومًا.
وإن شاءت صامت أربعة أيام من سبعة عشر يومًا: يومين في أولها، ويومين في آخرها؛ لأنه إن كان بدأ بها الحيض في بعض اليوم الأول.. كان انتهاؤه يوم السادس عشر، فيصح لها السابع عشر.
وإن كان ابتدأها في بعض الثاني من الشهر.. انتهى إلى بعض السابع عشر، فيصح لها اليوم الأول.
وإن بدأ بها بعض اليوم السادس عشر من الشهر الذي قبل الشهر الذي صامت فيه هذه الأيام.. انتهى حيضها إلى بعض اليوم الأول من الشهر الذي صامت فيه هذه الأيام، ولم يصح لها منه إلا الثاني.
وإن ابتدأها الحيض من بعض اليوم السابع عشر من الشهر الذي قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى اليوم الثاني من شهر القضاء، وصح لها صوم السادس عشر.
وإن شاءت قضت صوم اليوم بصوم ثلاثة أيام من سبعة عشر يومًا، لكنها تصوم اليوم الأول، ثم تصوم يومًا من الثالث إلى الخامس عشر، أي يوم شاءت منها، بشرط أن لا تصومه في اليوم الثاني، ولا في السادس عشر، ثم تصوم الثالث يوم السابع عشر، فيصح لها قضاء اليوم، لأن حيضها إن كان ابتداؤه من بعض اليوم الأول من شهر القضاء.. كان انتهاؤه بعض السادس عشر، فيصح لها صوم السابع عشر.
وإن كان ابتداؤها من بعض الثاني منه.. كان انتهاؤه بعض السابع عشر، فصح لها منه صوم اليوم الأول.
وإن كان ابتداء حيضها من يوم السادس عشر من الشهر الذي كان قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى بعض اليوم الأول من شهر القضاء، وصح لها اليوم الأوسط، وفسد عليها السابع عشر من شهر القضاء؛ لأنها تكون فيه حائضًا أيضًا.
وإن كان ابتداء حيضها من بعض اليوم السابع عشر من الشهر الذي قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى بعض الثاني من شهر القضاء، وصح لها الأوسط، فكان ابتداء حيضها من شهر القضاء كالذي قبله أيضًا.
وإن أرادت أن تقضي صوم اليومين عليها في الشهر التام، أو لزمها صوم يومين بنذر.. فهي بالخيار:
إن شاءت صامت ستة أيام من ثمانية عشر يومًا، ثلاثًا في أولها، وثلاثًا في آخرها.
وإن شاءت صامت أربعًا في أولها، ويومين في آخرها.
وإن شاءت صامت يومين في أولها، وأربعًا في آخرها.
وإن شاءت صامت يومين في أولها، ويومين في وسطها، ويومين في آخرها؛ لأنك على أي تنزيل نزلت.. فإنه يصح لها صوم اليومين.
وإن لزمها صوم ثلاثة أيام.. صامت ثمانية أيام من تسعة عشر يوما، على ما ذكرناه في قضاء اليومين، وعلى هذا التنزيل.